كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان معارضو قاسم أمين يرون أن نهضتنا يجب أن تعتمد على تراثنا القديم وعلى حضارتنا الإسلامية وحدها فقام هو بالرد على ذلك بأن الحضارة الإسلامية قامت على دعامتين: الأساس الديني الذي كون من القبائل العربية أمة واحدة والأساس العلمي الذي ارتفعت به الأمة الإسلامية وآدابها ثم يزعم أن العلم وقت ذاك كان ضعيفًا في أول نشأته وكانت أصوله ضربًا من الظنون التي لم تؤيدها التجربة ولذلك كانت قوة العلم ضعيفة بجانب قوة الدين فتغلب الفقهاء على رجال العلم ووضعوهم تحت رقابتهم وزجوا بأنفسهم في المسائل العلمية ينتقدونها ويفتون بمخالفتها لنصوص القرآن والحديث التي يؤولونها وبذلك حملوا الناس حسب زعمه على إساءة الظن بالعلم فنفروا منه وهجروه وانتهى بهم الأمر إلى الاعتقاد بأن العلوم جميعًا باطلة إلا العلوم الدينية نفسها: إنها يجب أن تقف عند حد لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ثم تقدمت العلوم وظهرت المكتشفات الحديثة واستطاع العلم أن يشيد بناء لا يمكن لعاقل أن يفكر في هدمه وتغلب رجال العلم على رجال الدين.
العداوة بين النصرانية وبين العلوم التجريبية وفي سحب هذا الحكم على الإسلام والمدنية الإسلامية مغالطة تكشف عن جهل بالواقع التاريخي من جهة وبحقائق الدين والعلم من جهة أخرى- راجع كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للشيخ أبي الحسن الندوي وانظر أيضًا أضواء البيان للشنقيطي 3/ 396- 400 وانظر بحث فصل الدين عن السياسة ضلالة مستوردة للأستاذ يوسف العظم وانظر بيان الهدى من الضلال للشيخ إبراهيم بن عبد العزيز السويح، ومما يجدر التنبيه إليه أن مصطلح رجل الدين مصطلح دخيل على الفهم الإسلامي الصحيح بل كل مسلم ينبغي أن يكون رجل دين عليه واجبات تجاه دينه لابد من تأديتها حتى يستحق وصف المسلم.
وينتهي قاسم أمين من هذا العرض إلى أن التمدن الإسلامي قد بدأ وانتهى قبل أن يكشف الغطاء عن أصول العلم فكيف يمكن أن نعتقد أن هذا التمدن كان نموذج الكمال البشري؟.
ثم يبين أن كثيرًا من ظواهر التمدن الإسلامي لا يمكن أن تدخل في نظام معيشتنا الاجتماعية الحالية ويضرب الأمثلة من نظم هذا التمدن في الحكم وهي في رأيه أقل من المستوى الذي بلغه اليونان والرومان في كفالة الحريات كما يضرب أمثلة من نظام الأسرة ليبين أنه كان غاية في الانحلال وأن الفرق واسع بينه وبين النظم والقوانين التي وضعها الأوربيون لتأكيد روابط الأسرة.
ويختم ذلك متسائلًا: إذا كانت هذه حالهم فما الذي يطلب منا أن نستعيره منها؟.. وأي شيء منها يصلح لتحسين حالنا اليوم؟.
ثم يقول: متى تقرر أن المدنية الإسلامية هي غير ما هو راسخ في مخيلة الكتاب الذين وصفوها بما يحبون أن تكون عليه لا بما كانت في الحقيقة عليه وثبت أنها كانت ناقصة من وجوه كثيرة فسيان عندنا بعد ذلك أن احتجاب المرأة كان من أصولها أو لم يكن وسواء صح أن النساء في أزمان خلافة بغداد والأندلس كن يحضرن مجالس الرجال أو لم يصح فقد صح أن الحجاب هو عادة لا يليق استعمالها في عصرنا.
ثم يستطرد عدو المرأة المسلمة قائلًا: نحن لا نستغرب أن المدنية الإسلامية أخطأت في فهم طبيعة المرأة وتقدير شأنها فليس خطؤها في ذلك أكبر من خطئها في كثير من الأمور الأخرى....
فالحاصل أن كل ما يمكن تركه هجوم شيوخ الأزهر من أثر هو حدة الكلمات والعبارات لا جوهر الفكر ذاته- والله تعالى أعلم- انظر المؤامرة على المرأة المسلمة ص 65، 78.
ويقول.. والذي أراه أن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هون من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعًا لمحاربتها لأنه ميل إلى التدني والتقهقر.. هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه وليس له من دواء إلا أننا تربي أولادنا على أن يعرفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها إذا أتى هذا الحين- ونرجو أن لا يكون بعيدًا- انجلت الحقيقة أمام عيوننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقنا أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا إذا لم يكن مؤسسًا على العلوم العصرية الحديثة وإن أحوال الإنسان مهما اختلفت وسواء كانت مادية أو أدبية خاضعة لسلطان العلم لهذا نرى أن الأمم المتمدنة على اختلافها في الجنس واللغة والوطن والدين متشابهة تشابهًا عظيمًا في شكل حكومتها وإدارتها ومحاكمها ونظام عائلتها وطرق تربيتها ولغاتها وكتابتها ومبانيها وطرقها بل في كثير من العادات البسيطة كالملبس والتحية والأكل هذا هو الذي جعلنا نضرب الأمثال بالأوربيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على أن نستلفت الأنظار إلى المرأة الأوربية.
بعض ردود فعل الكتاب:
موقف مصطفى كامل:
تصدى مصطفى كامل من جديد لقاسم أمين وكتب في اللواء بتاريخ 9 / 2 /1901 م معلقًا على كتاب المرأة الجديدة: أخرجه أخيرًا قاسم أمين ليدعم به أمر كتابه الأول ويفتح به آفاقًا جديدة تحلل المسلمين من دينهم وأخلاقهم. اهـ.
وحكى مصطفى كامل أن سلطان ملديفي لما بلغه خبر الكتاب وسئل عن رأيه في هذه الاتجاهات قال: أما تعليم النساء المسلمات فقد أصبح من المسائل الحيوية للإسلام والمسلمين ولكنه لو مال عن طريق الشريعة الغراء إلى خطة مدنية الغرب الغبراء كان معولًا لهدم أركان الإسلام وفأسًا لفتح القبور لأبنائه ودسهم فيها وهم أحياء أما رفع الحجاب فلا أرضاه لنسائي وبلادي وأما المرأة وحق طلاق زوجها فدعوة لا تصدر من معترف بقول الله في كتابه: {الرجال قوامون على النساء} (النساء 34) فنسأل الله السلامة. اهـ.
من المعروف أن قاسم أمين كان يدعو إلى ثورة في لغة الأدب وخطته في ذلك تشبه ثورته الاجتماعية فننسلخ من لغة القرآن ونكتب آدابنا بلهجاتنا العامية على نحو ما انسلخت اللغات الأوربية الحديثة من أمها اللاتينية ونعبر في خطنا عن الحركات بحروف تدخل في بنية الكلمة على طريقة الكتابة بالحروف اللاتينية.
وأفسح مصطفى كامل لعلماء المسلمين المجال في جريدة اللواء ليتصدوا لهذه الدعوة الاستعمارية وليبينوا حكم الإسلام فيها وفي أصحابها وكان من الكتاب الذين نشرت لهم اللواء مقالات تعيب على قاسم أمين وذيوله خصومة الحجاب وتجاوز ذلك إلى تحرر يسيء إلى حياة الأمة الأستاذ محمود سلامة الأديب المعروف.
ومن البحوث التاريخية التي نشرها اللواء أيضًا ذلك البحث الذي وضعه قاضي قضاة مصر السيد عبد الله جمال الدين أفندي رحمه الله ونشرته له اللواء في عدديها رقم 456 و457 بتاريخ 25 و26 من ذي الحجة سنة 1318هـ أي في أواخر سنة 1900م وقد استغرق هذا البحث من كل عدد الصفحة الأولى كاملة وثلث الصفحة الثانية.
وبما أن هذه الحركة كانت قد نشأت في بيئة وطيدة الصلة بالاحتلال البريطاني معادية في نفس الوقت لحاكم البلاد الرسمي الخديوي فكان من الطبيعي أن يقف منها الخديوي موقف العداء:
أولًا: لمنافاتها للإسلام في وقت كان الحكام والأمراء يفاخرون بالحرص عليه.
وثانيًا: لصلتها بالاحتلال الذي يعمل على حشد القوى المناصرة له لمناهضة الخديوي والحد من سلطانه وقد أبرز مصطفى كامل موقف الخديوي عباس حلمي من هذه الحركة في اللواء بتاريخ 22 إبريل من سنة 1901م بعنوان:
رأي الجناب العالي في مسألة الحجاب وقد جاء فيه ما نصه:
يرى الجناب العالي حفظه الله في مسألة الحجاب وإطلاق حرية النساء ما يراه الشرع الشريف ويأمر به وقد عرف رأي جنابه في هذا الشأن بأمرين:
الأول: أنه أبى قبول كتاب المرأة الجديدة عندما ذهب قاسم أمين في الأيام الأخيرة إلى المعية السنية والتمس تقديمه إلى سموه.
الثاني: أنه قبل كتاب الاحتجاب الذي رفعه إليه يوم الجمعة الماضي حضره الأستاذ الفاضل الشيخ عبد الله نقيب الأشراف برودس وقريب مؤلف الكتاب عبد الله جمال الدين أفندي رحمه الله وتقبله حفظه الله بكل ارتياح وانشراح وأعرب عن عظيم امتنانه من نشره حتى ينتفع به المسلمون ويرشدهم إلى الحق والصواب. اهـ.
هذا ولم يقف الأمر بالخديوي حيال قاسم أمين عند هذا الحد بل لقد أصدر أمرًا بمنعه من دخول القصر في أي مناسبة مع أنه مستشار في الدولة وذلك أنصع في الدلالة على استنكار الخديوي لهذه الحركة الأثيمة.
هل رجع قاسم أمين عن آرائه؟
زعم بعض الباحثين أن قاسم أمين عدل عن رأيه في عام 1906 م بعد أن تبين له أنه ضل الطريق وذلك ضمن حديث له إلى صحيفة الظاهر التي كان يصدرها محمد أبو شادي المحامي أعلن فيه رجوعه عن رأيه كما أعلن فيه أنه كان مخطئًا في توقيت الدعوة إلى تحرير المرأة.
وقد استدل من ذهب إلى ذلك بحديثه المذكور آنفًا في صحيفة الظاهر وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر لأن عبارته لم تكن صريحة في توبته عن ضلاله بالكلية ولكنه ادعى أن خطأه كان فقط في توقيت الدعوة إلى تحرير المرأة وليس في مضمون الدعوة ذاتها وإليك نص عبارته في ذلك:
قال قاسم أمين:
لقد كنت أدعوا المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب وإلى إشراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم.. ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي واستنفر الناس إلى معارضتي رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تتطاولوا إليها بألسنة البذاء ثم ما وجدت زحامًا في طريق فمرت به امرأة إلا تناولتها الأيدي والألسنة جميعًا.. أنني أرى أن الوقت ليس مناسبًا للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذي قصدته من قبل.